كيف نمنع الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

[احترامك للآخر وأفكاره ومعتقداته وعاداته وتقاليده تعتمد علي مدى احترامه هو لها وتقيده بتعاليمها والتزامه بقيودها وتحمل المشقة في تنفيذها، فلا يمكنك احترام عقيدة الهندوس إذا كان هو يركب البقرة ويجر بها المحراث والساقية ويذبحها ويأكل لحمها، أو احترام البوذية إذا كانوا يبصقون على تمثاله أو يهينونه أو لا يلتزمون بتعاليم ديانتهم من أداء الصلوات والأدعية والتقيد بأحكامها في الأفراح والأحزان والزواج والميراث والصداقة والعداوة والسلم والحرب والسياسة والاقتصاد .... الخ
لا نتسرع فأنا لا أدافع عن من يسيئون للرسول صلى الله عليه وسلم, لكن ديننا دين الإنصاف والعدل، فهو لا يقطع يد كل سارق إلا إذا توفرت شروطها، كأن يكون المال المسروق في حرز، وهو بهذا يحمل صاحب المال جزءاً من المسئولية إذا أهمل جعل ماله في حرز، أو إذا كانت اليد السارقة جائعة فالمجتمع مسئول عن إلجاء هذا للسرقة بتجويعه, كما أوقف سيدنا عمر حد السرقة في عام الرمادة عندما جاع الناس, ولا يقتل كل قاتل، فهناك من يَقتل دفاعاً عن نفسه، والقتل الخطأ والعمد وشبه العمد والجماعة يقتلون الفرد, فلكل حالة حكمها العادل. وليس كل شارب للخمر يجلد فقد يكون مكرهاً أو جاهلاً بحكمها لحداثة عهده بالإسلام, فقد اشتبه الناس في حمل امرأة غير ذات زوج، فلما رفع أمرها إلى عمر بن الخطاب سألها، فقالت: نعم من فلان بدرهمين، فلما رآها تعترف علم أنها تجهل حرمة الزنا، فلم يجلدها ولم يرجمها، لكن عزّرها لتقاعسها عن معرفة حكم الإسلام في الزنا. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسب الرجل أباه وأمه فقالوا وهل يسب الرجل أباه وأمه؟ قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه، فحمل البادي جزءاً وربما معظم المسئولية, وقال الله تعالى:(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم..) سورة الأنعام 108. ومع أنهم وآلهتهم لا احترام لهم في الإسلام ولا وزن، فقد نهينا عن سبهم حتى لا يؤدي ذلك إلى أن يسب الكفار الله عز وجل فنشترك معهم في المسئولية بل ربما تبوء بمعظمها.

أخلص من هذا إلى تحميل المسلمين - وأنا منهم- بعض المسئولية إن لم يكن قدراً كبيراً منها عن تطاول الكفار على مقام النبي صلى الله عليه وسلم، فهم لا يرون منا احتراماً عمليا لديننا, فقط نقيم الأفراح والصيوانات والزينات والأعلام والأناشيد والمدائح ونبيع ونأكل حلاوة المولد ونعطل الدراسة والعمل ثم لا نلتزم إلا بالقليل من السلوك في الحياة الزوجية أو الجوار أو الطلاق أو الميراث أو السياسة أو الاقتصاد ونقدم في ذلك هوى النفس أو تقليد الكفار في قوانينهم وسلوكياتهم، ويفتخر أحدنا أنه يقلدهم ويدعوا الآخرين لذلك دون حياء، بل يسخر من الملتزمين ويتهمهم بالتسبب في تأخر المسلمين فتأمل.

إن أصغر موظف في حكوماتنا العربية والإسلامية اليوم لا يقبل أن يراجع في كلمة قالها ولو كان مخطئاًً، فعنده من الكبر وتقديس الذات ما يمنعه من الرجوع إلى الحق وحتى القانون سواء في مقر عمله أو خارجه, والحكام على رؤوس الدولة لهم هيبة وقداسة تمنع من نقدهم ونصحهم، ومن تجرأ حوكم بموجب قوانين وضعوها لحفظ تلك الهيبة بينما كانت النساء يراجعن عمربن الخطاب رضي الله عنه، وهو على المنبر فيرجع ويقول أخطأ عمر وأصابت امرأة.. والآن إن أقدم واحد على ذلك للفقوا له تهمة ويعتقل لسنوات عشر أو عشرات دون تهمة توجه إليه أو تحقيق يجري معه أو محاكمة أمام قاضي مدني، وقد يقاضى عند قاضى عسكري حيث لا محامي ولا استئناف.

وانظر إلى طريقة تنصيبهم، تزوير الانتخابات هو الأفضل، فهم يركضون في جميع الاتجاهات يوما أو يومين حين الاقتراع ثم يرتاحون أربعة إلى خمس سنوات فكأنما هي عصابة سطت على مقاليد الأمور فيوقعون المعاهدات ويبرمون الصفقات بما يحقق منافعهم ومنافع من باعوا ضمائرهم، إما تحت ضغط الجوع والعري والبطالة والعزوبة والعنوسة، وإما جرياً وراء الدنيا على حساب الآخرة، وانظر إلى حجم الاختلاسات في كل دولة إلى حده، ثم إلى حجم الاختلاسات في دول الجامعة العربية، ليشتعل رأسك شيباً من هول الأرقام، فتعجب هل هذا كله من خلف ظهور الحكام أم لفشل أجهزة الرقابة والمراجعة، فلماذا يعرفون أن بعضاً من أفراد المعارضة جلسوا في غرفة على سطح منزل فهنالك في شارع مظلم يدبرون لعمل انقلاب على السلطة، فكل الأجهزة مسخرة لحماية الحاكم فلا يبقى مال ولا كادر للاهتمام بأمور الناس ومعايشتهم وغذائهم وصحتهم وتعليمهم ومصدر رزقهم، فالتجارة بائرة والحيوانات نافقة، والزراعة فاشلة، والوظائف مقصورة على أهل الحزب الحاكم، فإذا جاع الناس وسرقوا عوقبوا وسُجِنوا وشرّدت أسرهم، فينطلق المشردون يشمون البنزين، ويُسْتَغلون لتوزيع المخدرات وتجارة الجنس فيُودعون السجون، فيتعلمون فنون الشر ممن سبقوهم فيخرجون أكثر كفاءة في نشر الرذيلة وأحرص على الهروب من قبضة القانون.

وفى هذه الأجواء الرهيبة يصمت المواطنون، فخير لهم أن تجوع أسرهم ويَعرَوْا، ويعانوا الأمراض في وجودهم من أن يجوعوا ويعروا أثناء غيابهم في السجون أو في بطون القبور.

لماذا يركب الناس القوارب المتهالكة يخوضون بها أمواج المحيطات العاتية ميمّمين شطر الغرب، ليعملوا هنالك خدماً ويأكلوا من صناديق القمامة، ويناموا في مخازن السيارات، وهذا ما يفتقدونه في بلادهم.

نعم يبنون المساجد ليصلي فيها السذّج كما يسمونهم الذين لايطحنون، ولا يعجنون، ولا يخبرون في سياسة البلاد بل هم سوائم( ما أريكم إلا ما أرى) ويقيمون صيوانات المناسبات الدينية كالإسراء والمعراج، ويوزعون خراف الأضاحي، ويطلقون مدافع السحور والإفطار ويخصصون إذاعة للقرآن الكريم، ويستخرجون الجوازات وينظمون الوفود لمن يرغب في الحج، فإذا أسيئ الرسول صلى الله عليه وسلم نظموا المسيرات الحاشدة والمظاهرات المليونية وأشادوا بالخطباء لإدانتهم ذلك الفعل المشين من على المنابر، ليمتصوا غضب الجماهير، ويعلمون والكفار يعلمون، أن ذلك لن يُحرك شعرة من رؤسهم..

أما مقاطعة البضائع فتلك نكتة أخرى، فالمخازن مملوءة تكفي لحين برود العاصفة، ثم يعاد استيرادها بعد تغيير الديباجة إلى (صنع في ...).

أما قول الكفار أن هذا هو من قبيل حرية الرأي، فهل يستطيع أحد أن يرسم الملكة أو رأس الدولة رسما مشيناً، فضلاً عن البابا أو الأنبا أو المطران أو رئيس الأسقفية أو الأبرشية في تلك البلاد، اللهم لا إنما هو التحقير للمسلمين.

ونفس الأسباب المتقدمة هي التي تجعل حكوماتنا مسؤولة عن ما يفعله الكفار في أفغانستان والعراق والصومال والسودان والأقليات المسلمة في أوروبا وآسيا وأمريكا وما يفعله الصهاينة لسكان غزة، لماذا لا ترضخ السلطة الفلسطينية للأمر الواقع، وهو أن حماس تحكم غزة كما يرضخون للأمر الواقع أن الصهاينة يحكمون الضفة والقدس، أليست المقاومة هي التي طردت الصهاينة من جنوب لبنان ثم من غزة، فلماذا لا يدعونها تطردهم مما بقي من فلسطين.

لن يكفّ الكفار عن الإساءة لديننا، حتى يروا منا احتراماً له وانقيادا لإحكامه، وتطبيقاً لدستوره، والتزاماً بتعاليمه.