لم أكن أنا وأنتم ولا أقل المتشائمين , يظن أن المواطن فى تلك الدولة التى شهدت كسر القيود ورفض الظلم والإستبداد , أن يجرؤ على أن يرمش بجفن عينه , فضلآآآ عن أن يخرج للشارع ليصرخ , ويعلن إحتجاحه على واقعه المر والمؤسف !!!
نعم هذا الأمر واقع حقيقي يعرفه كل مطلع ومتابع لأحوال ذلك البلد , الذى أحكم بقبضته وشد وثاق ذلك المواطن العربى بالحديد والنار, فأرعبه حتى خشى من ظله , وأذله حتى قبِل الدنِية فى دينه وكرامته ..
دكتاتوريات قامت على ( العلمنة واللبرلة ) تدعى الحرية والإصلاح والدمقراطية , يقولون مالا يفعلون , وما ذلك النظام ورئيسه إلا نموذج حى للكذب والظلم والإستيلاء على المقدرات , والتضيق على الحريات !
يخرج علينا ذلك المستبد بنياشينه وأوسمته ووشاحه وكأنه قيصر زمانه يمشى بخيلاء , ويتحدث للناس من أرنبة أنفه , يتعسف ويستبد ويتعالى ويبلغ الأمر حد الطغيان , فلا يُرى الناس إلا مايرى , فبباطله منع إرتفاع صوت الحق , وبظلمه أزال الحجاب عن العفيفات الطيبات , وبجوره حف لحى المؤمنين وأهان أشنابهم , فعل بشعبه الأفاعيل وأتى بما لم يأتى به الأولين .. حتى إذا إطمئن وأمن مكر الله , أتته سنة الله الكونية من حيث لا يحتسب , ( وففار التنور ) .. وجرت أمواج الإحتجاج وعواصف الغضب من كل مكان وفى كل إتجاه , حتى إذا أحس الطاغية بالغرق , بدأ يتنازل عن قليل من كبريائه وعنجهيته , فأقصى وزير داخليته , فيزيد الحصار عليه , فيعد بعدم ترشيح نفسه لولاية أخرى لعل وعسى , فيزيد الشارع حنقآآآ وغيضآآآ , فيعد بإنتخابات وإصلاحات ...و ..و .. حتى فقد كل أوراقه أو خرافاته !!
آآلآن يا ( زين الطبايع ) !!
إستمر تضيق الخناق على الدكتاتور , لم تجدى كل المحاولات , فلم يكن ولم يعد موثوقآآآ به , فقد رأى الموج يتجه نحوه , فكان فى سباق مع الزمن , حتى إذا خرج من مخبأه ترتعد فرائصه , أين المفر ؟؟ تذكر ذلك البلد ذوالصدر الحنون والحضن الدافىء , الذى أدار ظهره لنصائح المخلصين فيه زمنآآآ طويل .. ولكن .. إرحموا عزيز قوم ذل !!!
من المفارقات العجيبة هنا , والتى تدعو للتأمل والتوقف , أن من كان يمنع الآذان , وضع فى مكان تحيط به المساجد , وسيسمع الآذان من كل إتجاه خمس مرات فى اليوم , وسيتحجب نسائه لأن اللون الأسود يحيط به , وسيظطر لرؤية الملتحين فى كل مكان .. سبحان مدبر الأمور ..
( لم تحسبها صح يازين الطبايع ) نسيت أو تناسيت أيها المستبد أنك فى بلد أبى لن يرضى بالظليمة والإستبداد , حتى ولو طالت عليه إنتظار سنين الفرج , فقد علمهم شاعرهم الشاب منذ أربعة وسبعين عام , بيوت من الشعر بمثقال الذهب لم تعيها أنت , وحفظوها هم عن ظهر قلب , فزرعت فى نفوسهم الإباء تحسبآآآ لمثل هذا اليوم الذى حان فيه التطبيق , عندما قال لهم فى مطلع قصيدة طويلة :
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ *** فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــــــي *** وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
بدأت رياح التغير العاصفة من ذلك القطر العربى , ولا أعلم الى أين ستتجه ؟؟!! رغم أنها محصورة فى إتجاهين لا غير , فإما شرقآآآ أو غربآآآ , والشرق والغرب يعيشان كثير من دوله فوق كومة رماد تحته النار المستعرة , تبحث عن ( عزيزي) آخر يعلق الجرس .. !!
فهل سيتدارك الطغاة الآخرين الوضع , ويستفيدوا من دروس التاريخ المجانية الحديث منها والقديم .. أتمنى ذلك ؟؟؟
ليس أمام هؤلاء إلا ذلك , وإلا فتجربة ذلك القطر العربى سهلة التطبيق فى أى قطر آخر , وأصبح كل مظلوم مهضوم الحقوق بمقدوره أن يغير واقعه , فخيارات التغير متوفرة لديه وفى متناوله , والرماح متى تجمعت من يستطيع كسرها !!
المواطن العربى البسيط لايرغب فى العنف ولا التدمير , ولا يحلم بمنصب ولا غيره .. هو يتمنى فقط أن يضمن لقمة عيشه على أرضه , ويعلم أطفاله , ويسكن هو ومن يعول فى مسكن على تراب وطنه يملك حجة إستحكامه , يريد أن يذهب للمستشفيات فيجد سريره وعلاجه , ويتمنى أن لا يستجدى أحد فى المطار من أجل مقعد , ويرغب أن يسود القانون بعيدآآآ عن المحسوبيات والفساد يأنواعه !!!
هل هذا صعب التنفيذ والعمل من أجله يامن حملكم الله المسؤولية ؟؟؟
اذا كانت الإجابة بنعم .. فلينتظر كلن منكم الإعصار القادم , فالشعوب النائمة قد تتحول بفعل القهر الى ناقمة !!!
ص: 82 ] ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ( 13 ) اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ( 14 ) من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( 15 ) )