بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة لفضيلة الشيخ عبدالوهاب العمري حفظه الله
بدأ فضيلته بحمد الله فقال :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلاهادي له ، وأشهد أن لاإله إلاالله وحده لاشريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماًً كثيراً، . ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) .
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) .
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) .
وبعد عباد الله إن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .
أحبتي في الله رفع الله قدركم وجلى الله همكم وبارك الله في أعماركم ويسر الله أرزاقكم وأحسن لنا ولكم العاقبة , إن المستمع إلى هذه الخطبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بها خطبه فيحمد الله ويثني على الله ويستغفر الله ويستهديه ويستعيذ بالله من شرور النفوس وسيئات الأعمال ، يعلم أن رسولنا صلى الله عليه وسلم ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) وأنه عليه الصلاة والسلام عزيز عليه ماعندنا ، وأنه عليه الصلاة والسلام أرأف رسول بأمته صلى الله عليه وسلم 0
معاشر المسلمين : كل الناس ضال إلامن هدى الله وكل الناس عاص إلامن سدد الله وكل الناس فقير إلامن أغنى الله وكل الناس تائه إلا من أرشد الله ومن جاء إلى الله يبلغ حاجته فإن الله قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه ويفرح بعبده إذا دعاه ويفرح بعبده إذا مد إليه يديه سائلاً راجياً مخبتاً خاشعاً وجلاً وعده أن لايرده صفراً وأن لايطرده عن جنابه وأن لايسد عليه بابه فاقبلوا منحة الله استغفروا الله واستهدوه واسألوه واطلبوه فلاغنى إلابه ولاحول ولاقوة إلابه ولاملجأ ولامنجا منه إلاإليه هو الباقي وكل من على الأرض يفنى ويموت وهو الملك الديان هو الحي القيوم (( كل شئ هالك إلا وجهه )) .
معاشر المسلمين : إن الدنيا من أولها إلى آخرها وماكان عليها لاتساوي عند الله جناح بعوضة . جعلكم فيها خلائف خلفتم آبائكم وسيخلفكم أبنائكم وكم عاش قبلكم فلله الأمر من قبل ومن بعد هل تلذذ أحد بالبقاء والدوام والخلود فيها , هل عاش عليها أحد فلم يجد عيشه غصة ,هل ملك أحد فيها فلم يجد لملكه فناء , هل شب فيها أحد فلم يعكر شبابه هرم , هل اصطح فيها بدن فلم يأت بعد الصحة مرض , أعاش أحد فلم يأت بعد العيش موت , كل من قبلنا كان كذا .
أين القوم من عهد نوح .
خفف الوطء ماأظن أديم الأرض إلامن هذه الأجساد
صاح هذه قبورنا تملأ الأرض فأين قبور الخلق من عهد عاد.
ثم هم إلى الله راجعون ثم هم بين يدي الله موقوفون ثم هم سيقال لهم قوموا فيقومون لله رب العالمين (( يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون)) ((مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر )) (( ألايظن أولئك أنهم مبعوثون * ليوم عظيم * يوم يقوم الناس لرب العالمين )) ، ولذا أر***ا صلى الله عليه وسلم إلى أن [ نستعد للموت في حال حياتنا ] ، و[ للمرض في حال صحتنا ] ، و[للشيخوخة في حال شبابنا ] ،و[للفقر في حال غنانا ] و،[للضعف في حال قوتنا ] ،و[وللآخرة في دنيانا] ,و[وللسلامة قبل أن نصل إلى دار الندامة] شروط ينبغي أن يكون فيها الإنسان موقناً " بأنه لا هدى إلامن عندالله ,ولاعافية إلامن عند الله ,ولاحول ولاقوة إلابالله " فاستهد الله يهديك واسأل الله يعطيك واحذر أن ترى لنفسك في الأمر شأناً فإن الأمركله لله بيده الخلق وهو بيده الأمر وهوعلى كل شئ قدير.
ذم الله قوماً قالوا في حال تلكؤهم على شرع الله (( هل لنا من الأمر من شئ )) (( لوكان لنا من الأمر شئ ماقتلنا ها هنا )) فكان الجواب (( قل إن الأمر كله لله )) .
كم من عزيز تاه في عزه ,وملك تاه في ملكه فخدعته نفسه والشيطان فظن أنه لايذهب هذا الملك ولايزول هذا العز , فما هي إلاأيام وإذا به في حال يرثى لها .
قال الله عن فرعون الذي خرج فقال للناس (( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون * أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولايكاد يبين * فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أوجاء معه الملائكة مقترنين )) كبرياء وطغيان وجبروت ونسيان أنه سيموت فما هي إلالحظات ماهي إلاقليل من أوقات فإذابه تحت أطباق البحر يمتلئ فمه من حمأة البحر وهو يقول (( آمنت أنه لاإله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين )) فكان الجواب (( آلآن وقد عصيت قبل وكنت ن المفسدين )) فما أغنى عنه شئ (( فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين )) وقال الله عنهم (( فما بكت عليهم السماء والأرض وماكانوا منظرين )) وقال : (( كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين )) كم ذكر الله عزوجل في القرآن (( قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين )) (( كالذين من قبلكم كانوا أشد قوة وأكثر أموالاً وأولاداً )) أين هم ماذا أغنى عنهم جمعهم وماكانوا يجمعون , كل ذلك ياعبدالله يجعلك تقف مع نفسك فلاتغرك صحة ولايغرك شباب ولايغرك غنى ولايغرك منصب ولايغرك طول حياة وإنك عما قليل راحل والدنيا دار ( غِيَر) فمن غُير له إلى خير فهو ولي الله ومن غير له إلى شر فهو عدوالله .
في أحداث سريعة تمر على البشر يمسي الرجل على حال ويصبح على حال من غير عليه (( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شئ قدير )) قالها الله لمن لخير خلق الله بعد الأنبياء ومعهم محمد صلى الله عليه وسلم (( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم )) ويقول الله لخير خلقه أجمعين (( ماأصابك من حسنة فمن الله وماأصابك من سيئة فمن نفسك )) نعم إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم , والدنيا مليئة بالعبر فخذ لنفسك ياعبدالله واحذر مفاجأة النقم على ضد ماكنت عليه فإنك إن غيرت مابك من خير إلى شر غُير عليك بمثله والجزاء من جنس العمل , وإن غيرت مابك من سوء إلى توبة ورجعة وإنابة فإن الله وعد المهتدين أن يزيدهم هدى (( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم )) إن الدنيا مليئة بالعبر والعظات ولسنا بدعاً من الناس لسنا نشازاً عن الناس كلنا أبناء آدم وسنة الله لاتتبدل ولاتتغير (( ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلا )) .
فاحذر من الغرور ياعبدالله , احذر من الغرور في الصحة احذر من الغرور في العافية احذر من الغرور في كثرة الولد احذر من الغرور في كثرة المال والجاه والمنصب فكلها عارية مردودة فإن غيرت إلى خير غُير لك إلى خير وإن غيرت إلى شر غُير لك إلى شر والله بالمرصاد .
المعتمد بن عباد ملك من ملوك الأندلس في القرن الرابع من الهجرة ملك وترأس وتربع وتلذذ وتفصح وكانت كل مقومات السعادة بين يديه (فغير) فسلط الله عليه رجل مثله فأُخذ أسيراً فعاش في السجن سنيناً إلى أن مات في سجنه , وفي يوم عيد من الأعياد جاءت إليه بناته وهو سجين وقد أصبح فيهم منظراً ماكان يألفه وحال ماكان يراه فيما مضى فلقد بلغ به العز والسؤدد والملك في يوم من الأيام أن قالت له زوجة له حسناء وقد نظرت من شرفة القصر فرأت القرويات يملأن القرب ويحملنها على ظهورهن ويرجعن بهن إلى بيوتهن فاشتاقت أن تكون مثلهم فسألت الملك أن يجعل ذلك لها فأمر أن يفرش مابين القصر وبين البئر بالكافور والمسك وأن ينفخ لها قربة بالهواء وأن تجعل سيور هذه القربة من الذهب والديباج , وحملتها ومشت حافية على المسك والكافور إلى أن وصلت إلى تلك البئر ثم رجعت يحقق لها أما نيها . فدارت الأيام وفي سجنه يأتينه بناته معايدات في عيد الفطر في مدينة آرمات في المغرب , فيقول مخاطباً نفسه : أساءك العيد في آرمات مأسوراً إلى أن ذكر حال بناته وكيف جئنه عاريات وجئنه جائعات وجئنه خشنات بأيدهن المغازل يغزلن للناس على أبواب المساجد لعلهن يجدن قوت اليوم والليلة .
يغزلن للناس والأقدام حافية كأنها لم تطأمسكاً وكافورا. نعم أبيات شهيرة لاأذكرها لكنها معبرة واضحة وحاضرنا يحكي ماضينا كم من ملك ماظن أن الدنيا تركع أمامه إلاوهي له فركع أمامها وهي تطأه نسأل الله العفو والعافية .
عباد الله : كلنا بن آدم في يوم سيجمع الكبير والصغير والأمير والمأمور والأسود والأبيض كلهم بين يدي الله يسألهم الله عما قدموا (( لاتزولا قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به )) وفي رواية (( وعن شبابه فيما أفناه )) اللهم أصلح قلوبنا واعمالنا . اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت وقنا واصرف عنا برحمتك شر ما قضيت إنك تقضي ولايقضى عليك استغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية : من خطبة الشيخ عبد الوهاب العمري
( الإستعداد للرحيل )
الحمد لله الكريم الوهاب العظيم التواب يفرح بتوبة عبده إذا تاب أشهد أن لاإله إلاالله وحده لاشريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً .
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك , اللهم اغفرلنا ذنوبنا وإسرافنا في امرنا وثبت أقدامنا وأصلح لنا حالنا وولي علينا خيارنا واصرف عنا أشرارنا , اللهم لاتغير علينا إلى سوء.
عباد الله نتقلب في نعم لاحدود لها نتقلب في خير من الله لاحدله ((وقليل من عبادي الشكور)) , ووالله لوصلينا الليل والنهار وصمنا لانفطر حتى نموت لانؤدي حق الله عزوجل لكن الله لايكلف نفساً إلاوسعها وقدجاء في كتاب الله (( فاتقوا الله مااستطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )) .
وجاء في الحديث ( إذاأمرتكم بامر فأتوا منه مااستطعتم وإذا نهيتكم فانتهوا ) فأما الأوامر فيها السعة إلى ماتستطيع ومالاتستطيع فلاتكلف به , وأما النواهي فليس فيها سعة لأنه مانهاك إلاعن شئ لاخير فيه قط وإنما هو شر محض فكلما نهيت عنه فيجب أن تنتهي عنه ولاتقل لايسعني لا أستطيع (لا) فما نهاك الله عنه فهو وسعك وهو يسرك وهو خيرك , والشر كل الشر فيما نهاك عنه .
عباد الله : ماأوتي أولئك من قديم أوحديث فزال ملكهم وزال عزهم وزال غناهم وزالت صحتهم على حين غفلة وفجئة إلا بما كسبت أيدهم (( ماأصاب من مصيبة إلابإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه )) , وقال : (( وماأصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير )) .
استغفروا الله عباد الله أكثروا الإستغفار فوالله فما لنا قبل ولالنا طاقة ولالنا قدرة بأن يغير الله علينا إلى سوء .
انظروا إلى الناس من حولنا فقد صرف الله لنا الآيات وبين لنا العظات وضرب لنا الأمثال من ورائنا ومن أمامنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ماذا يفعل بالناس ناس مثلنا لسانهم كلساننا وجلودهم كجلودنا وحولهم كحولنا وقوتهم كقوتنا ماذا فعل بهم . استحال الأمن خوفاً , إستحال الغنى جوعاً , إستحال الإجتماع فرقة ضرب بين الآراء حتى صار الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه لايدري لما قتله اسألو الله وارجوه وأكثروا في كل حال أن تسألوه أن لايغير علينا إلى سوء , وأن لايؤاخذنا بما فعلنا من السيئات ولابما فعل السفهاء منا تضرعوا إلى الله والجؤوا إليه تضرعوا إلى الله أن يجمع قلوبنا على طاعته وأن يوحد كلمتنا على مايرضيه وأن يصلح ولاة أمرنا وجميع أعمالنا حتى لانفترق ولانكون في شر وفتنة .
احفظوا نعمة الله بطاعة الله فإن الله يحفظ من حفظه , ولايحفظك الله إلا إذا حفظته بإتيان أوامره والإبتعاد عن نواهيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن الناس إذا سكتوا عن المنكر أخذهم الله بعذاب واحد .
(( واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب )) , وضر ب الله مثلاً تلك القرية التي كانت حاضرة البحر نهاهم الله أن يعتدوا في السبت فاعتدوا فانقسم الناس إلى قسمين : قسم نهاهم , وقسم قال لمن نهى (( لم تعظون قوماً الله مهلكهم أومعذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون )) فماذا كانت النتيجة مسخ الله العصاة قردة وخنازير وما نجا إلامن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فاتقوا الله ياعبادالله كم من المنكرات تظهر ظاهرة خفية وكلنا أبناء سفينة واحدة لاأقول بلداً واحده كلنا ركاب سفينة إن غرقت غرقنا جميعاً وإن نجت نجونا جميعاً والمثل حي فيما جواركم من أمم الأرض نجا ناس وسلم ناس هل استخرج الصالحون ونجوا وهلك الفاسدون أم عمت وطمت أخذت الأخضر واليابس اللهم أجرنا اللهم أجرنا اللهم أجرنا .
ألاوصلوا على النبي الكريم والسراج المنير والرحمة المسداة والنعمة المهداة من جعله الله بالمؤمنين رؤوف رحيم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .