معنى حديث (لا يرد القضاء الا الدعاء)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا حمدا ، والشكر لجلاله شكرا شكرا، والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه سيدنا وحبيبنا محمد وعلى جميع صحبه وآله ، وكل ناسج على منواله . وبعد :

فكثير من الناس يظن أن هناك تعارضا بين نفاذ القدر وبين حديث : " لا يرد القضاء إلا الدعاء "

فما معنى حديث :" لا يرد القضاء إلا الدعاء "؟؟؟ وهل يوجد تعارض بين نزول القدر وتحقق القضاء وبين دفعه عن طريق الدعاء؟؟؟ وهذا الموضوع قد كتبته ردا على سؤال وردني من إحدى اخواتي المباركات حفظهن الله تعالى وجعلهن ذخرا للإسلام والمسلمين.

فقلت وبالله تعالى التوفيق ، ومنه الهداية لأقوم طريق:

الدعاء مما يرد الله به القضاء كما جاء في الحديث: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) والله عز وجل يقضي الشيء ثم يجعل له موانع فيكون الله تعالى قاضيا بالشيء على شخص ، وفي نفس الوقت يكون قاضيا بأن هذا الشخص يدعو فيرد الله عنه ذلك القضاء بسبب دعائه، والذي يرد القضاء هو الله عز وجل .

ونص هذا الحديث كما يلي : "لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر" رواه الترمذي، وروى أحمد وابن حبان والحاكم عن ثوبان مثله، وزاد : "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" ذكر ذلك الحافظ في التلخيص وسكت عنه، وهذا يعني أنه حسن، والله أعلم.
ومعنى الحديث : أن الدعاء من جملة الأسباب التي رتب الله على فعلها مسببات، فهو سبب لجلب النفع ودفع الضر، فالدعاء بحصول الولد مثلاً هو: من جملة الأسباب الأخرى لحصوله، يعني من يريد أن يكون له ولد لابد له من جملة أسباب ليحصل بها على ولد، منها: الزواج ، وخلو الرجل من الأمراض التي تؤثر على إنجابه، وكذلك خلو زوجته من ذلك، وخلوها من موانع الحمل، كالعقم مثلا، ثم مع هذه الأسباب يكون الدعاء، فالدعاء من جملة الأسباب في تحصيل الولد، وهكذا الدعاء من جملة الأسباب التي يحصل بها المطلوب ، وكذلك يحصل بها النجاة من المرهوب.

والمرهوب كالأمراض والآلام والأوجاع، والمصائب التي قد تصيب بعض الناس . فلو قدر الله تعالى مثلا على شخص أنه ينزل عليه حجر من بناء مرتفع ، ثم حان وقت إنفاذ القدر بأن قضى الله تعالى نزول الحجر في وقته المحدد فصار قضاء بعد أن كان قدرا، فتحرك الحجر وفي نفس الوقت قدر الله لذلك الشخص أن يدعو الله تعالى بأن يحميه من كل ما ينزل من فوقه فيصيبه بأذى ، فيصعد الدعاء ويلتقي بالقضاء وهو نزول الحجر فيمنع الله تعالى نفاذ ذلك القضاء بسبب دعاء هذا الشخص . وليس معنى ذلك أن الدعاء يمنع نزول الحجر بالذات ، بل قد ينزل الحجر ولكن الله تعالى يسبب له ما يحرفه عن أن ينزل على رأس ذلك الشخص، وقد يمنع فعلا نزول الحجر أصلا فلا مانع على قدرة الله تعالى في تحقق ذلك.
ومن هنا يتبين أن القدر غير القضاء:
فالقدر : هو المقدر المكتوب عند الله في اللوح المحفوظ.
وأما القضاء: فهو تنفيذ ذلك القدر بإذن من الله فيصبح قضاء، ولذلك فالدعاء يرد القضاء ولا يرد القدر ، لأن القدر هو الشيء المكتوب ، وأما القضاء فهو تنفيذ ذلك القدر على واقع الشخص الذي نحن بصدد الحديث عنه كمثال .
وكذلك فالإنسان ربما يفعل أفعالاً توجب العقوبة فيوشك أن تقع به فيدعو الله فيرفعها، فالعقوبة مقدر وقوعها بعدم الدعاء، ومقدر رفعها بسبب الدعاء ، فلما دعا رفعت فكأن ذلك بمثابة رد القضاء.
والدعاء نفسه هو من قدر الله تعالى، فإذا أصاب العبد ما يكرهه أو خشي ما يصيبه فمن السنة أن يدعو الله تعالى أن يرفع عنه البلاء ويصرف عنه شر ما يخشاه .

والعبد لا يدري ما كتب له، ولذلك ينبغي أن لا يتهاون في الدعاء قبل نزول البلاء أو بعده. روى الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة" . والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع.
وقوله يعتلجان : أي يتصارعان: فالقضاء يريد أن ينزل والدعاء يمنعه ويدفعه فيظلان هكذا ويبقيان هكذا إلى يوم القيامة.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في أوقات الشدة والأزمات ويسأل الله تعالى أن يرفع البلاء، فعن عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمريض ويقول: "اللهم رب الناس، أذهب الباس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما" .
ولا ينبغي للمسلم أن يستسلم ويترك الأسباب بحجة أن هذا قدره، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى" .
فعلى المسلم أن يتسبب (يعني يأخذ بالأسباب) ويتعالج ويسترقي .....وكل ذلك من قدر الله تعالى وقضائه وإذا أصابه بعد ذلك ما يكره فليقل: قدر الله وما شاء فعل، كما أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم. وسيجد بردها على قلبه إن كان صادقا .
وصلى وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام.....

أبو جوري

شكرا ً على المرور

نورت الصفحة بمرورك